عطفا على رياح القبائلية التى تهب على مصر هذه الأيام تنفجر الأسئلة تباعا، وأولها: هل لا يزال أحد يتذكر ثورة ٢٥ يناير وأهدافها ومطالبها فى لعبة عض الأصابع الدائرة بين جميع الأطراف الآن؟

انظر حولك وتأمل فى الحرب المشتعلة فيما بين قبائل الإسلام السياسى من جانب، وبين هذا المعسكر مجتمعا وبين القوى الليبرالية واليسارية من جانب آخر.

وتأمل مليا فى الحالة البورسعيدية المتفاقمة يوما بعد يوم، حتى بتنا أمام انفلاتات لفظية وعصبية تمضى إلى الحديث عن ثنائية (مصر ــ بورسعيد) وكأننا إزاء قبيلتين أو قوميتين، وليس بعيدا عن ذلك تبديل المواقف وتغيير الآراء فى جماعات الأولتراس، فبعد أن كانوا عنوانا لضمير الثورة وقاطرة لها، تحولوا فجأة إلى مجموعات مشكوك فى وطنيتها ونقائها بعد إدخالهم مفرمة التخوين والتكفير السياسى.

وانظر أيضا إلى انبعاث الخطاب المتشنج لأمراء قبيلة أو دويلة القضاء مرة أخرى، بعد لحظات من إعلان إحالة جنرال دبى الهارب إلى الجنايات، وتطبيق القانون على رئيس نادى القضاة فيما يخص بلاغات تحمل اتهامات بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضى.

وفى زحمة المشهد هناك ثابت وحيد يقوم على أن كل قبيلة تعتبر نفسها دويلة قائمة بذاتها فى مواجهة، أو فى موازاة الدولة المصرية، وبالتالى كل يدافع عن حصانته وحدوده وسيادته على أرضه وتسيده على جمهوره، وكأننا فى حالة ارتداد إلى البدائية والقبلية.

وغير بعيد عن ذلك عودة الداخلية للتصرف باعتبارها إمارة أو قبيلة مستقلة، ومتحررة من الضوابط والقيم التى جاءت بها ثورة يناير، وعلى رأسها كرامة الإنسان المصرى واحترام آدميته وصونها.. وما ينشر ويذاع يوميا عن استعادة لغة السحل وانتهاك الجسد وامتهان الروح وكسر النفس يكفى ليستشعر القائمون على حكم البلاد الخطر، خطر الانزلاق والارتداد العنيف إلى الأجواء التى صنعت ثورة شعب، لم يكن أحد يتوقع انفجاره فى وجه جلاديه ومعذبيه بهذا الشكل.

ولعل هذا المناخ القبلى الطائفى الفئوى بامتياز هو ما شجع اللاعبين بالنار والنافخين فى رماد الفتنة الملتهب لكى يصطنعوا صراعا آخر بين المؤسسة السياسية الأولى وبين المؤسسة العسكرية، مستغلين هذا الطقس السيئ فى اختراع حالة قطبية بين الرئاسة والجيش.

ويدهشك فى ظل هذا الصخب المخيف ذلك الهدوء الشديد ــ الغريب ــ من قمة السلطة فى التعامل مع هذه البالوعات المفتوحة، والبؤر المتفجرة، وكأن أحدا لا يدرك أنه يواجه محاولة استدعاء طقوس «حرب الكل ضد الكل» تلك الحالة التى ألقت بالقارة الأوروبية فى فيافى الدم والتخلف خلال القرون الوسطى، حتى نجحت بعد سداد فواتير باهظة من الدماء فى اختراع مفهوم الدولة، أو التنين الذى يلزم الجموع ويوفر سقفا قانونيا وأخلاقيا لحياتهم وفق أدبيات الفلسفة السياسية عند هوبز وجان جاك روسو، ولم يتأت ذلك إلا بإقرار عقد اجتماعى يلتزم به الجميع ويحول دون فنائهم واندثارهم.

وفى ظل هذا الجنون القبائلى لا قيمة ولا فائدة من إجراءات اقتصادية أو اهتمام بخدمات تموينية ومعيشية.. فلنحفظ المعيشة أولا وبعد ذلك نفكر فى تحسين وسائل المعيشة.

لنضمن حياة الأفراد ثم نفكر فى تنميتها وتحسينها، وهذا لن يحدث دون المحاسبة على جرائم هدر الدم وإهدار الكرامة الإنسانية، وتطبيق القانون على الجميع.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed