تصلح قصة مسحول الاتحادية نموذجا لفن تصنيع الأساطير والأيقونات الثورية المزورة، والتعامل معها على أنها رموز نضالية وكفاحية لبعض الوقت، ثم التخلص منها بعد أن تؤدى الغرض.

وفى ذلك تنشط خلال هذه الفترة عمليات لتخليق أكاذيب صالحة للاستعمال لمرة واحدة لتحقيق هدف (ثورى) مؤقت ولا مانع بعدها من التراجع أو حتى التملص والاعتذار.

لقد جرى استخدام واقعة مسحول الاتحادية بشكل مكثف فى سياق النيل من السلطة وأجهزتها وتصويرها على أنها تنكل بالثورة والثوار، وقد أدى الغبار الكثيف المتصاعد نتيجة القصف الإعلامى العنيف الذى صاحب تصنيع وإطلاق هذه الأيقونة إلى إيجاد رأى عام غاضب وساخط على وحشية النظام والدولة البوليسية، وهنا تحول المسحول إلى بطل قومى ورمز ثورى بالإلحاح الإعلامى والتوظيف السياسى لحادثة لم يهتم أحد بمقدماتها ولا توابعها، وتراجع الاهتمام ببطل القصة فى إطار محاولة التغطية على ملابساتها وتفاصيلها الكارثية.

وأحسب أن واقعة السحل والتعرية تمثل أسوأ ما شهدته مصر هذا العام، وتظل وصمة عار تلاحق صناعها والمتسببين فيها، وسواء كانت الشرطة هنا فاعلا أو مفعولا به فى اللقطة الكارثية، فإنها تظل مسئولة عن هذا المشهد المشين.

وعلى ذلك يبقى على النيابة العامة واجب التحقيق الشامل فى هذه الفضيحة، للكشف عن أبطالها الحقيقيين، خصوصا مع التطورات الدرامية المثيرة فى القصة خلال الأيام الماضية، ومن ذلك ما صرح به الإعلامى محمد الغيطى لبوابة الأهرام أمس بشأن طلب المسحول وأسرته عشرين ألف دولار مقابل الظهور فى حوار على فضائية «التحرير» بحجة أن آخر لقاء ظهر فيه تلقى عشرين ألف جنيه وهذا الثمن لم يعد مناسبا له ولأسرته.

وقبل ذلك ينبغى ان توضع تصريحات لقائد الحرس الجمهورى وبلاغ مقدم من المستشار إبراهيم بسيونى المحامى بالنقض موضع التحقيق، إذ تؤكد روايتهما للواقعة أن المسحول عرى نفسه بنفسه واستخدم إشارات جسدية مشينة أمام أفراد الشرطة دفعتهم للاعتداء عليه، وبصرف النظر عن أنه لا يوجد شىء يبرر سحل مواطن حتى لو كان مخطئا أو حتى مجرما، فإن مثل هذه الروايات ينبغى أن تخضع للتحقيق للوصول إلى حل ألغاز لقطات العار التى أهانت المصريين وصدمت المتابعين فى العالم كله.

إن خطورة هذه الواقعة أنها تثير القلق حول ما جرى ويجرى للضمير الوطنى، وما يعترى قيم الثورة من سيولة وغياب للفواصل بين الحق والباطل، ومن أجل ذلك شرفت بأن أكون أحد الداعين والمشاركين فى إطلاق جبهة تحمل اسم «الضمير الوطنى» ترفع صوتها ضد كل من يحاول استثمار دماء المصريين طلبا لمكاسب حزبية أو شخصية ضيقة، وتجهر بالمعارضة والاحتجاج فى وجه السلطة إذا رأت منها انحرافا عن أهداف الثورة.

وإذا كانت حالة وفاة مفاجئة لقريب لى قد حالت دون حضورى مؤتمر إطلاق هذه الجبهة أمس، إلا أننى أفخر بكونى مشاركا فيها.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed