هذا الاستسهال الأهوج فى تناول المؤسسة العسكرية يبقى أخطر ألغام تلقى بمنتهى الخبث تحت أقدام مصر الآن، وسواء كان ذلك تسريبا متعمدا أو ممارسة مجنونة لرياضة الدس والوقيعة، أو مزاولة للعبة الحرق بالشائعات، فإن السكوت عن استمراره جريمة فى حق الحاضر والماضى والمستقبل.
إن اللعبة الدنيئة تقوم على محاولة الفصل بين الجيش والنظام، وكأن جيوش العالم منبتة الصلة بما عداها من مكونات الوطن، ويمضى اللاعبون المهرجون فى افتعال حالة قبائلية مخيفة تنهض فيها المؤسسة العسكرية ككيان مستقل بذاته، أمام مؤسسة الرئاسة، وذلك من خلال تسريب شائعات عبثية عن تغييرات وإطاحات وما إلى ذلك من مصطلحات تطلق على عواهنها بلا حسيب أو رقيب.
وعليه فنحن فى مواجهة سيناريو اللعب بالنار، بعد سلسلة طويلة من المحاولات المستميتة لاستدعاء الجيش إلى المشهد السياسى مرة أخرى، فقبل شائعات التحرش بالقيادات والحديث عن غضب وتبرم مزعوم من مؤسسة الحكم، كانت هناك دعوات خبيثة من شخصيات تنتمى قلبا وقالبا لرموز العهد البائد لجمع توقيعات تطالب المؤسسة العسكرية بإدارة العملية السياسية من جديد. وصعقت حين وجدت على بريدى الإلكترونى شيئا من ذلك يطالب بعسكرة الانتخابات النيابية المقبلة، بحيث يتولى الجيش إدارة العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها.
فى البدلية ظننت أنها نوع من اللهو الإلكترونى، غير أن التطور السريع الذى أعقبها بتسريبات عن أزمة مكتومة بين مؤسستى الرئاسة والجيش يشير إلى أن هناك من يفكر فى فرض السيناريو الشرير بدفع الأمور إلى صراع مؤسساتى قبائلى مجنون.
إذن نحن بصدد حالة من الإلحاح الذى لا يتوقف على جر المؤسسة العسكرية إلى مستنقع السياسة مجددا، وذلك بعد مرحلة الرماية الكثيفة على ميدان السياسة، بحيث تبدو كل الأطراف فى حالة عجز وإفلاس مطبقين.. ولا يمكن توصيف مثل هذه الحملات إلا باعتبارها دعوات مبطنة للانقلاب والعودة إلى نقطة الصفر.
ويلفت النظر هنا هذا الاجتراء المفرط على تناول أدق شئون المؤسسة العسكرية دون رادع، الأمر الذى يفجر دوائر الدهشة ويثير علامات الاستفهام على هذه الميوعة فى مواجهة مثل هذه الألعاب الخطرة.
لقد جاءت على مصر أيام كان تناول أخبار فرق الدورى العام التابعة للمؤسسة العسكرية مخاطرة كبيرة، بينما صار عاديا الآن أن يتحدث الكل عن أشياء تمس أكثر المناطق العسكرية الاستراتيجية حساسية، دون حسيب أو رقيب.
وتحت غطاء «قالت مصادر مجهلة» صار كل شىء مستباحا على نحو ينذر بالخطر، وعليه لا يكفى فى صد هذه المحاولة أن تخرج مصادر «مجهلة» من المؤسستين الكبيرتين لتعلق بكلام مبهم عن الموضوع، بل المطلوب بيان واضح وصارم يقطع رأس الأفعى ويكشف الغطاء عن اللاعبين بالنار ويضعهم أمام القانون.
وإذا كان السكوت من ذهب فى عديد من المواقف، فإنه فى هذا الحالة تحديدا جريمة فى حق الوطن.
0 التعليقات:
Post a Comment