من بين ما قيل فى «المشتمة» الدائرة لجبهة الضمير ـ مع تحفظى على الاسم ـ إن النظام يصنع معارضته ويفصلها على مقاسه، لكن أصحاب هذا الطرح العبقرى والفلسفة العميقة للغاية لا يدركون أن نظام محمد مرسى لن يجد أفضل ولا ألطف من المعارضة القائمة ضده هذه الأيام لكى يفكر فى استحداث معارضة جديدة.
إن مصر تشهد واحدة من عجائب الدنيا السياسية هذه الأيام: سلطة مرتبكة وغير مبدعة وكثيرة الأخطاء، أمامها معارضة تبدو صاخبة وحادة شكلا، ومترامية الأطراف ومع ذلك تنخفض أسهم هذه المعارضة فى الشارع بمعدلات أكبر من تقلص شعبية مؤسسة الحكم.
والحاصل أن معظم الجهد الذى تبذله «المعارضة» الحالية يصب فى مصلحة النظام الحاكم دون أن يتعب نفسه، حيث يفتقد الطرفان القدرة على الإبداع، فلا النظام قادرا على ابتكار حلول جريئة وخلاقة لإخراج مصر من الركن الضيق الذى انحشرت فيه، ولا معارضته تملك ما يؤهلها لأن تكون بديلا مقبولا ومقنعا.
وبين الطرفين تبقى الدماء تسيل والانهيار مستمر وكأنهما استسلما لهذه اللعبة الكوميدية السخيفة المتواصلة منذ أسابيع، فالنظام يبدو سعيدا بارتفاع منسوب البذاءة والعبثية فى الخطاب الموجه ضده، وانحطاط أساليب نضال سواقط القيد فى الثورة المصرية إلى مستوى التلهى بالمولوتوف والاحتفاء بالـ«حمادة» كأحد مشاعل الكفاح الثورى، وكل ذلك يظهره فى دور الضحية المعتدى عليه والصابر إلى أبعد الحدود على كل هذه الإساءات.
وفى المقابل تتيح هذه الحالة من العدمية الثورية الفرصة للمعارضة المهجنة التى تتصدر حاليا لكى تهرب من الاستحقاقات الجادة وتختبئ من الاختبارات الحقيقية داخل أعمدة الدخان المتصاعد وبين أحراش فوضى المولوتوف والشخبطة على أسوار القصر الرئاسى، مستغلة هذه الوضعية للفرار من الانتخابات ومواصلة التهرب من حوار هو النهاية الوحيدة لهذا الانتحار.
إذن نحن أمام حالة حرب استنزاف طويلة بين السلطة وقيادات المعارضة، لا فائز فيها، بل هناك خاسر مؤكد هو مصر كلها التى تقف مشلولة نتيجة العجز الضارب فى أوصال قادة السياسة بها ـ سلطة ومعارضة ـ بينما النزيف مستمر.
لقد استنفدت المعارضة المهجنة كل أسلحتها، المشروعة منها وغير المشروعة، وكلما تدنت أدواتها ووسائلها أكثر حصد النظام نقاطا إضافية، والصورة كما ترى: حشد فضائى وأرضى وتعبئة مكتوبة ومقروءة من إعلام لاتزال رائحة حليب نظام مبارك فى فمه، للزحف إلى القصر، والمحصلة عشرات أو مئات المتظاهرين يقضون فترة المساء والسهرة فى كر وفر وإلقاء كرات النار والحجارة بينما الشارع فى واد آخر.
وفى وضع سوداوى بهذا الشكل من الطبيعى أن تواجه أى دعوة تتصدى للدم والعنف سيلا من البذاءات والسخائم والاتهامات المعلبة خصوصا من فيلق سواقط القيد فى الثورة الحقيقية سابقا، زعماء وأبطال الموجة الجديدة حاليا.
0 التعليقات:
Post a Comment