فى يونيو 2012، وقبل انتخابات الرئيس، حددت مهامه فى خمس جمل، ونصحت من يشغل المنصب أن يكتبها أو يكتب مثلها ويضعها أمامه على مكتبه. هذه الجمل هى: «أمن بلا استبداد، تنمية بلا فساد، دستور جامع بلا استبعاد، وإخراج العسكر بلا عناد، ودور إقليمى نشط بلا استعداء».
وعندى رغبة فى أن أبلغ الرئاسة تقييمى المتواضع لأدائها وفقاً لما قلته من مهامها.
حين جاء الرئيس مرسى إلى السلطة ظننت أنه قادر على أن يحقق هذه الخماسية. الإشارات الأولى كانت إيجابية، رجل حريص على أن يستمع للجميع وأن يتفاعل مع بعض معارضيه ويشكل فريقاً رئاسياً متنوعاً لحد ما حتى وإن كان أقل مما التزم به من وعود أثناء الفترة الانتخابية. كان أول إنجازاته هى إخراج العسكر من اللعبة السياسية بطريقة موفقة (20 من 20). ولكن ما أخشاه أنه يسير فى اتجاه عودتهم مرة أخرى بسبب سوء إدارة الملفات الأخرى. والدور الإقليمى النشط كانت مقدماته جيدة، ولكنه فجأة توقف ولم تزل العلاقة مع بعض الدول المفتاحية فى المنطقة يغلب عليها الركود (15 من 20).
أما الدستور الجامع بلا استبعاد فكان متفقاً مع الوعد الرئاسى بدستور توافقى, وهو المنطقى من أى رئيس يدرك مخاطر قيادة سيارة أهلها متصارعون. وكانت أمامه الفرصة سواء لو تم حل الجمعية التأسيسية, أو مضى وقتها دون إتمام عملها بأن يشكل لجنة من قانونيين دستوريين مستقلين لمراجعة الدستور وتقديمه للاستفتاء بعد التخلص من المواد الخلافية؛ إما بردها إلى أصولها فى دساتير مصر السابقة، أو بإلغائها وتركها للبرلمان. وهذا الكلام جاء فى هذا العمود أكثر من مرة خلال الشهر السابق على الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012، ووصل إلى مؤسسة الرئاسة بأكثر من طريق. كنت أقول هذا وأنا على يقين أن التوافق داخل التأسيسية كان مستحيلاً حتى لو ظلت الجمعية فى عملها لشهور لأن الخلافات استحكمت لدرجة لا يمكن معها الاتفاق، لا سيما مع تغيير بعض المنسحبين لآرائهم عدة مرات بشأن القضية الواحدة على نحو جعل الحوار فى بعض فتراته عبثياً. ولكن الرئاسة فقدت واحدة من أهم مقومات أى رئاسة وهى سمعتها بأنها تفى بالعهد وتلتزم بالوعد؛ فلا الدستور جاء جامعاً رغماً عن أن الكرة كانت فى ملعب الرئيس، ولا مجلس الشورى، الذى كان الوعد أن يتم تعيين 90 من المعارضة فيه لتصبح نسبة سيطرة التيار المحافظ دينياً فى حدود 55 بالمائة، ولكن هذا نفسه لم يتم الالتزام به من الرئيس.
المعضلة هنا ليست فى ما مضى فقط، ولكن كيف سيحكم الرئيس إن أكمل مدته؟ هناك قرارات كثيرة صعبة جداً سيحتاج معها دعماً سياسياً وشعبياً كبيراً لا يمكن أن يحصل عليه إلا بدعم معارضيه له، وهذا ما كان يفعله الرئيس مبارك فى بداية فترة حكمه، وما انقلب عن التشاور مع معارضيه إلا فى السنوات العشر الأخيرة من حكمه. ولكن يبدو أن الرئيس الحالى قرر أن يبدأ من حيث انتهى مبارك، وهى بداية غير موفقة بالمرة (5 من 20).
أما جملة «أمن بلا استبداد» فقد أصبحت هى الأخرى فى مهب الريح على نحو يثير التساؤل. أين وزارة الداخلية من تطبيق النص الدستورى القائل: «ويجب أن يبلغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك كتابة خلال اثنتى عشرة ساعة، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته؛ ولا يجرى التحقيق معه إلا فى حضور محاميه؛ فإن لم يكن، نُدب له محام. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء والفصل فيه خلال أسبوع، وإلا وجب الإفراج عنه حتماً». هل استبدلنا السجان القديم بسجان آخر؟ وهل نصنع ديكوراً ديمقراطياً يخفى وراءه الديكتاتورية الجديدة؟ (5 من 20)
أما التنمية بلا فساد، فأصبحنا نعيش فى فساد بلا تنمية. (5 من 20)
وسيستمر النزيف إلى أن تدرك الرئاسة أن نزع فتيل الأزمة فى يدها، وأن رئيس أداؤه 55 بالمائة هو أداء مخيب للآمال، والكرة لم تزل فى ملعبه.
0 التعليقات:
Post a Comment
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.